أرشيف الأوسمة: عباس_محمود_العقاد

العقّاد فى السِّجن !

(التكوين) الحقيقي《》 العقاد فى السجن

ظل عباس محمود العقاد فترة من الزمن مشغولاَ بنفي الأباطيل عن تاريخ الأمة المصرية ( بدون تقديس أو تعصب أو كما قال ليست الأمة المصرية أمة معصومة من العيوب والمآخذ، وليس من دأب الأمم العريقة أن تحتاج إلى هذا الضرب الرخيص من التقديس – لكنه – فى إطار نفي الأباطيل وصفها بصفتها الجغرافية والتاريخية قائلاً:
” إنها أمة طويلة التاريخ، قديمة العهد بالمدنية فى أرض زراعية” وهذه الجغرافية وهذا التاريخ جعل المصري لينسي كل شىء إلا صلة الرحم وآداب الأسرة.
•••
وعندما دخل عباس محمود العقاد السجن مُتهما بالعيب فى الذات الملكية قرر أن يفتش عن (خُلق) (وطبع) المصري الأصيل وهو فى السجن..ويدرسه وهو وراء الجدران بين اللصوص والمجرمين ومدمنى الخمر والسموم ففى هذا المكان – يقصد السجن – تظهر الشخصية على حقيقتها أكثر من أي مكان آخر.
وذات نهار شتوى بارد – فى فترة التريض – خرج العقاد من محبسه يمشي جيئة وذهاباً فى الساحة الفسيحة إلى أن لمح من بعيد طفلاَ صغيراً فى السجن – كان اسم السجن وقتها سجن مصر العمومي ويقع فى وسط القاهرة ) لمح الطفل يقف هزيلاَ أعياه الحبس فيما يبدو ولا يستطيع الوقوف إلا ساندا ظهره إلى الحائط المجاور له!
كان الطفل محبوساً مع أقران فى مثل عمره ينتظرون الترحيل إلى سجن الأحداث فى مدينة الجيزة.
•••
الآن العقاد يتابعه من بعيد وينظر إليه فى حزن ويتابع نظرات عينيه المتوترة الخائفة. بعد لحظات مر أمام الطفل سجين من العائدين من التحقيقات والمرافعات فى المحكمة بتهمة جريمة السرقة.. مر السجين وفى يده القيد ويد العسكري من الناحية الأخرى تمسكه من( قفاه) فى طريقه إلى غرفة حبسه.. فى هذه اللحظة رفع له الطفل رأسه – وهو يمر أمامه – وناداه فى لهجة المسكنة الطبيعية التى يشعر بها الصغير فى غيبة أهله قائلاَ:”جعان”!
ثم كرر قوله: جعان والله !
تسمر اللص مكانه فارضا ذلك على سجانه ونظر له قائلاَ:” وماذا أصنع لك يا بني؟ ( أنا مسجون زي زيك ) ثم انصرف آسفاَ مسرعاَ.
•••
العقاد مازال على مقربة منهما يتابع الموقف بحذر شديد واهتمام كبير وما هى إلا دقائق حتي لمح من بعيد ذلك السجين – الذى دخل السجن لأنه لصا – يعود للطفل مسرعاَ وفى يده رغيف قدمه له وهو يقول:
” جئت لك يا بني برغيف من الخبز( فقسمه إلى نصفين وأعطي للطفل نصفه واستبقي النصف الآخر لنفسه” فأخذ الطفل النصف فألتهمه بسعادة ظاهرة على ملامحه!
•••
وقبل أن يغادر اللص السجين ساحة السجن عائدا إلى غرفة زنزانته اقترب منه العقاد وسأله:
يا هذا من أين جئت بهذا الرغيف؟
قال:” سرقته من فرن السجن !
رد العقاد:” لكنهم لو ضبطوك وأنت تسرقه لكان مصيرك الجلد؟
رد :” الواد الصغير ده لما قال لى جعان قطع قلبي…وكان لازم اجيب له الخبز حتى لو جلدوني مية جلده) ثم أردف قائلاً وهو يطلق قدميه للريح:” الرحمة حلوة يا أفندى”!!
قال ذلك ثم عاد مسرعاَ إلى زنزانته..
•••
“إن المصري لينسي كل شىء إلا وشائج الرحم وآداب الأسرة “حتى ولو كان لصاَ..!!
لماذا؟ لأنه ابن”أمة طويلة التاريخ”.. وهذا هو ( التكوين ) الحقيقي.. كما وصفه لنا عباس العقاد!

خيري حسن

كاتب صحفي مصري

•• الأحداث حقيقية والسيناريو من خيال الكاتب.

•• المقال:” يعتني بالسرد لا بالتحليل وبالتوصيف لا بالتقييم”

•• المصدر:
كتاب:
” سعد زغلول – سيرة وتحية ” – تأليف عباس محمود العقاد

الصورة – عباس العقاد

معركة الأديبين: عباس محمود العقاد وعلي الرافعي

العقاد:

من أشهر معاركه الأدبية وصراعاته الفكرية التي حميَ فيها الوطيس واشتدّ الأُوار، ما كان بينه وبين الأديب الكبير  عباس محمود العقاد 

بدأت حينما اتهم “العقادُ” “الرافعي بأنه واضع رسالة الزعيم “سعد زغلول” في تقريظ كتاب الرافعي (إعجاز القرآن) بقوله إن قول “سعد زغلول” عن الكتاب إنه (تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم) ليروج الكتاب بين القراء.. هذه العبارة من اختراع الرافعي وليست من يراع الزعيم “سعد زغلول”!

الإعلانات

ويدافع الرافعي عن هذا الاتهام بقوله للمرحوم محمد سعيد العريان: “وهل تظن أن قوة في الأرض تستطيع أن تسخر مِن سعدًا لقبول ما قال، لولا أن هذا اعتقاده”.

وأرجع “الرافعي” السبب في اتهام “العقاد” له إلى أن العقاد كان هو كاتب الوفد الأول، وأن سعدًا كان قد أطلق عليه لقب (جبار القلم)، ولا يقبل “العقاد” منافسًا له في حب “سعد” وإيثاره له.

طبعة من كتاب على السفود

وقد أخذت المعركة طابعها العنيف حينما شن “العقاد” حملة شعواء عليه في كتابه (الديوان) سنة 1921م، وتناول العقاد فيه أدب “الرافعي” بحملة شعواء جرده فيها من كل ميزة.. وشمر “الرافعي” عن ساعده على إثرها وتناول العقاد بسلسلة من المقالات تحت عنوان (على السفود) بأسلوب حاد كان أقرب إلى الهجاء منه إلى النقد الموضوعي الجاد.. والسفود في اللغة هو الحديدة التي يُشوى بها اللحم، ويسميها العامة السيخ كما يقول “الرافعي” في شرح العنوان.

الإعلانات

وفي سنة 1920م نشر الرافعي نقداً لنشيد أمير الشعراء أحمد شوقي الذي مطلعه:

بَني مصرٍ مكانكمُ تهيّا **  فهيّا مَهِّدوا للمُلكِ هيّا

فتصدّى له العقاد سنة 1921م بمقالة نشرها في الجزء الثاني من “الديوان في الأدب والنقد” بعنوان: (ما هذا يا أبا عمرو؟!) اتّهمه فيها بسرقة ما كتبه في الجزء الأول من “الديوان” في نقد نشيد شوقي آنف الذكر، وقد اتّسمت مقالة العقاد بالشدة والقسوة، والسخرية اللاذعة، والهجوم العنيف على شخص الرافعي.

ديوان العقاد

وقد عرضَ الأستاذ إسماعيل مظهر على الرافعي أن يكتب في نقد شعراء آخرين، فلاقى ذلك في نفسه هوى، وأسرع إلى ذاكرته لقاؤه بالعقاد في دار المقتطف، ولم يكن ناسياً مقالتيهالسابقتين  فألفاها فرصة سانحة للانتقام من العقاد، وللثأر لكرامته، فافترسه بسبع مقالات طاحنة، نشرها تباعاً في مجلة العصور، مغفلة النسبة، وجعلها كما أسلفنا تحت عنوان: (على السَّفّود) نقد فيها ديوان العقاد، وحشد فيها من مر الهجاء، وقوارص القول، وصنوف الذم والقدح المقزع، ما يمكن أن يستخرج منه معجم لألفاظ الثَّلب والشتم.

الإعلانات

وإليكم عناوين السفافيد السبعة، مع ذكر تواريخ نشرها:

السفود الأول: عباس محمود العقاد، نشر في عدد شهر يوليو 1929م.

السفود الثاني: عضلات من شواميط، نشر في عدد شهر أغسطس 1929م.

السفود الثالث: جبّار الذهن المضحك، نشر في عدد شهر سبتمبر 1929م.

السفود الرابع: مفتاح نفسه وقفلُ نفسه، نشر في عدد شهر أكتوبر 1929م.

السفود الخامس: العقاد اللص، نشر في عدد شهر نوفمبر 1929م.

السفود السابع: ذبابة لكن من طراز زبلن، نشر في عدد شهر يناير 1929م.

وقدّم الرافعي بين يدي كل سفُّود من تلك السفافيد بيتَين من الشعر، ناطقَين بما تضمنته تلك المقالات من نقد فاتك محرق، يقول فيهما:

وللسفُّود نارٌ لو تَلقَّتْ ** بجاحِمِها حديداً ظُنَّ شَحما

ويَشوي الصخرَ يتركُه رَماداً ** فكيفَ وقد رميتُكَ فيه لَحما؟!

الإعلانات

وقد أورد في كتبه نقولا شعرية تدور حول هذا الموضوع أولاها عن قصيدة للشاعر الضرير المرهف أحمد الزين: (شعراء العصر في مصر) فيها بيان منزلة خمسة وعشرين شاعراً من شعراء مصر المحدثين، وفيها يقول في العقاد:

ألا أبلغا العقاد تعقيدَ لفظهِ… ومعناهُ مثلُ النّبتِ ذاوٍ ومثمرُ

يحاولُ شعرَ الغربِ لكنْ يفوتُهُ… ويبغي قريضَ العُربِ لكن يُقصّرُ

ويقول في الرافعي:

تضيعُ معاني الرافعي بلفظهِ… فلا نُبصرُ المعنى وهيهاتَ نبصرُ

معانيهِ كالحسناءِ تأبى تبذّلاً… لذاكَ تراها بالحجابِ تخدّرُ

– وذكر فيها أيضا قصة عبث الدكتور طه حسين بالعقاد حين بايعه بإمارة الشعر، وصدى هذه البيعة، ومن ذلك ما قاله الأستاذ الشاعر محمد حسن النجمي ساخراً متهكماً:

خدعَ الأعمى البصيرْ… إنهُ لهوٌ كبيرْ

أضحكَ الأطفالَ منهُ… إذ دعاهُ بالأمير

أصبحَ الشعرُ شَعيراً… فاطرحوهُ للحمير

الإعلانات

وبعد أن هدات الخصومة بينهما بسنوات نشر المرحوم “الزيات” صاحب “الرسالة” رأي “الرافعي” الحقيقي في العقاد الذي يشتمل على استنكار الرافعي نفسه للأسلوب الناري الذي أتبعه وفاءً إلى التسامح بعد بضعة عشر عامًا من خمود المعركة على حد تعبير الأستاذ كمال النجمي.

فقد قال “الزيات” للرافعي وهو يحاوره: ياصاحب (تاريخ آداب العرب) .. هل تستطيع أن تجرد نفسك من ملابسات الخصومة وتجمل لنا رأيك الخالص في العقاد”؟

فأجاب الرافعي: “أقول الحق، أمَّا العقاد أحترمه وأكرهه لأنه شديد الاعتداد بنفسه قليل الإنصاف لغيره، ولعله أعلم الناس بمكاني في الأدب.. وأحترمه لأنه أديب قد استمسك آداة الأدب وباحث قد استكمل عدة البحث فصَّير عمره على القراءة والكتابة فلا ينفك كتاب وقلم”.

الإعلانات

حينما اطلع “العقاد” في الرسالة على ما تقدم من رأي “الرافعي”، وفي أدبه رد على ذلك بعد رحيل “الرافعي” عن عالمنا بثلاث سنوات بقوله: “إني كتبت عن “الرافعي” مرات أن له أسلوبًا جزلاً، وأن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كتاب العربية المنشئين”.

أما المعركة الثالثة في الأهمية فهي تلك التي قال فيها بعضهم: إن كلام العرب في باب (الحكم) أن عبارة “القتل أنفي للقتل” أبلغ من الآية القرآنية: ***64831;وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ***64830; البقرة: 179)؛ إذ لم ينم “الرافعي” ليلته، بعد أن لفت الأستاذ الكبير محمود محمد شاكر برسالة بتوقيع م.م.ش نظره إلى هذا الأمر بقوله: “ففي عنقك أمانة المسلمين جميعًا، لتكتبن في الرد على هذه الكلمة الكافرة لإظهار وجه الإعجاز في الآية الكريمة، وأين يكون موقع الكلمة الجاهلية منها”؟

الإعلانات

واستطاع الرافعي ببلاغته أن يقوض هذا الزعم من أساسه بمقالاته: (كلمة مؤمنة في رد كلمة كافرة)، التي عدَّد فيها وجوه الإعجاز في الآية الكريمة: ***64831;وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ***64830; (البقرة: 179).[3]

سنحاول في المرة القادمة أن نجمع بعضاً من مقالات السفود . في مقال إيجازي لأهم الخلافات الأدبية لكاتبنا مع كتّابٍ اآخرين .

إعداد

Moawia Mohammed

جدلية المساواة بين المرأة والرجل ♀️♂️

الكاتب 🪶

عباس محمود العقاد


لم يكن جنس النساء سواء لجنس الرجال قط في تاريخ أمة من الأمم التي عاشت فوق هذه الكرة الأرضية، على اختلاف البيئات والحضارات.. وكل ما يقال في تعليل ذلك يرجع إلى علة واحدة؛ وهي تفوق الرجل على المرأة في القدرة والتأثير على العموم.

فليست جهالة القرون الأولى سببًا صالحًا لتعليل هذه الفوارق العقلية بين الرجال والنساء في جميع الأمم؛ لأن الجهل كان حظًّا مشتركًا بين الجنسين، ولم يكن مفروضًا على النساء وحدهن دون الرجال، ومن زعم أن الرجل فرض الجهل على المرأة فقبلته وأذعنت له؛ فقد قال: إنه أقدر من المرأة، أو إنه أحوج إلى العلم وأحرص عليه منها.

الإعلانات

وليس الاستبداد في القرون الأولى سببًا صالحًا لتعليل تلك الفوارق؛ لأن استبداد الحكومات كان يصيب الرجل في الحياة العامة، قبل أن يصيب المرأة في حياتها العامة أو حياتها البيتية، ولم يمنع الاستبداد طائفة من العبيد المسخرين أن ينبغ فيهم العامل الصَّنَّاع، والشاعر اللبق، والواعظ الحكيم، والأديب الطريف.

وليس عجز المرأة عن مجاراة الرجل في الأعمال العامة ناشئًا من قلة المزاولة لتلك الأعمال؛ لأنها زاولت أعمال البيت ألوف السنين، ولا يزال الرجل يبزها في هذه الأعمال كلما اشتغل بصناعاتها؛ فهو أقدر منها في الطهو، وفي تفصيل الثياب، وفنون التجميل، وتركيب الأثاث، وكل ما يشتركان فيه من أعمال البيوت.

وقد يرجع الأمر إلى الخصائص النفسية، فيحتفظ الرجل فيها بتفوقه على الرغم من استعداد المرأة بتلك الخصائص من أقدم عصور التاريخ.

الإعلانات

فالنواح على الموتى عادة تفرغت لها المرأة، منذ عرف الناس الحداد على الأموات، ولكن الآداب النسوية لم تخرج لنا يومًا قصيدة من قصائد الرثاء تضارع ما نظمه الشعراء الرجال، سواء منهم الأميون والمتعلمون، وقد كان أكثر الشعراء في العهود القديمة من الأميين.

بل هناك خاصة نفسية، لا تتوقف على العلم، ولا على الحرية، ولا نوع العلم أو الوظيفة، في المجتمعات أو البيوت؛ وهي خاصة الفكاهة، وخلق الصور الهزلية، والنكات التي يلجأ إليها الناس حين يحال بينهم وبين التعبير الصريح.

الإعلانات

وربما كان الاستبداد، أو الضغط الاجتماعي من دواعي تنشيط هذا «السلاح» النفسي في قرائح المستعبَدين والمغلوبين؛ لأنه السلاح الذي ينتقم به المغلوب لضعفه، والمنفذ الذي يفرج به عن ضيقه وخوفه، وقد كان ضغط الرجال على النساء خليقًا أن يغريَهم باستخدام هذا السلاح لتعويض القوة المفقودة، والانتقام للحرية المسلوبة، ولكن الآداب والنوادر لم تسجل لنا فكاهة واحدة أطلقتها النساء على الرجال كما فعل الرجال المغلوبون في الأمم الحاكمة، أو المحكومة على السواء، أو كما فعلوا في تصوير رياء المرأة، واحتيالها على إخفاء رغباتها، وتزويق علاقاتها بالرجال.

وهذه الملكة -ملكة الفكاهة- خاصة نفسية لم يقتلعها من طبائع الرجال ظلم، ولا جهل، ولا فاقة، ولا عجز عن العمل في ميدان الحياة. فمن اللجاجة أن يتجاهلَ المتجاهلون هذه الفوارق وهي أثبت من كل ما يثبته العلم والعلماء، وما كان للعلم أن يوجِد شيئًا لم يكن له وجود في الوقائع أو في تفكير العقول، وإنما هو أبدًا في مقام التسجيل، أو مقام التفسير.

المصدر:
عباس محمود العقاد، الفلسفة القرآنية.

أنت مثقف … شارك الصفحة مع أصدقائك