معركة الأديبين: عباس محمود العقاد وعلي الرافعي

العقاد:

من أشهر معاركه الأدبية وصراعاته الفكرية التي حميَ فيها الوطيس واشتدّ الأُوار، ما كان بينه وبين الأديب الكبير  عباس محمود العقاد 

بدأت حينما اتهم “العقادُ” “الرافعي بأنه واضع رسالة الزعيم “سعد زغلول” في تقريظ كتاب الرافعي (إعجاز القرآن) بقوله إن قول “سعد زغلول” عن الكتاب إنه (تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم) ليروج الكتاب بين القراء.. هذه العبارة من اختراع الرافعي وليست من يراع الزعيم “سعد زغلول”!

الإعلانات

ويدافع الرافعي عن هذا الاتهام بقوله للمرحوم محمد سعيد العريان: “وهل تظن أن قوة في الأرض تستطيع أن تسخر مِن سعدًا لقبول ما قال، لولا أن هذا اعتقاده”.

وأرجع “الرافعي” السبب في اتهام “العقاد” له إلى أن العقاد كان هو كاتب الوفد الأول، وأن سعدًا كان قد أطلق عليه لقب (جبار القلم)، ولا يقبل “العقاد” منافسًا له في حب “سعد” وإيثاره له.

طبعة من كتاب على السفود

وقد أخذت المعركة طابعها العنيف حينما شن “العقاد” حملة شعواء عليه في كتابه (الديوان) سنة 1921م، وتناول العقاد فيه أدب “الرافعي” بحملة شعواء جرده فيها من كل ميزة.. وشمر “الرافعي” عن ساعده على إثرها وتناول العقاد بسلسلة من المقالات تحت عنوان (على السفود) بأسلوب حاد كان أقرب إلى الهجاء منه إلى النقد الموضوعي الجاد.. والسفود في اللغة هو الحديدة التي يُشوى بها اللحم، ويسميها العامة السيخ كما يقول “الرافعي” في شرح العنوان.

الإعلانات

وفي سنة 1920م نشر الرافعي نقداً لنشيد أمير الشعراء أحمد شوقي الذي مطلعه:

بَني مصرٍ مكانكمُ تهيّا **  فهيّا مَهِّدوا للمُلكِ هيّا

فتصدّى له العقاد سنة 1921م بمقالة نشرها في الجزء الثاني من “الديوان في الأدب والنقد” بعنوان: (ما هذا يا أبا عمرو؟!) اتّهمه فيها بسرقة ما كتبه في الجزء الأول من “الديوان” في نقد نشيد شوقي آنف الذكر، وقد اتّسمت مقالة العقاد بالشدة والقسوة، والسخرية اللاذعة، والهجوم العنيف على شخص الرافعي.

ديوان العقاد

وقد عرضَ الأستاذ إسماعيل مظهر على الرافعي أن يكتب في نقد شعراء آخرين، فلاقى ذلك في نفسه هوى، وأسرع إلى ذاكرته لقاؤه بالعقاد في دار المقتطف، ولم يكن ناسياً مقالتيهالسابقتين  فألفاها فرصة سانحة للانتقام من العقاد، وللثأر لكرامته، فافترسه بسبع مقالات طاحنة، نشرها تباعاً في مجلة العصور، مغفلة النسبة، وجعلها كما أسلفنا تحت عنوان: (على السَّفّود) نقد فيها ديوان العقاد، وحشد فيها من مر الهجاء، وقوارص القول، وصنوف الذم والقدح المقزع، ما يمكن أن يستخرج منه معجم لألفاظ الثَّلب والشتم.

الإعلانات

وإليكم عناوين السفافيد السبعة، مع ذكر تواريخ نشرها:

السفود الأول: عباس محمود العقاد، نشر في عدد شهر يوليو 1929م.

السفود الثاني: عضلات من شواميط، نشر في عدد شهر أغسطس 1929م.

السفود الثالث: جبّار الذهن المضحك، نشر في عدد شهر سبتمبر 1929م.

السفود الرابع: مفتاح نفسه وقفلُ نفسه، نشر في عدد شهر أكتوبر 1929م.

السفود الخامس: العقاد اللص، نشر في عدد شهر نوفمبر 1929م.

السفود السابع: ذبابة لكن من طراز زبلن، نشر في عدد شهر يناير 1929م.

وقدّم الرافعي بين يدي كل سفُّود من تلك السفافيد بيتَين من الشعر، ناطقَين بما تضمنته تلك المقالات من نقد فاتك محرق، يقول فيهما:

وللسفُّود نارٌ لو تَلقَّتْ ** بجاحِمِها حديداً ظُنَّ شَحما

ويَشوي الصخرَ يتركُه رَماداً ** فكيفَ وقد رميتُكَ فيه لَحما؟!

الإعلانات

وقد أورد في كتبه نقولا شعرية تدور حول هذا الموضوع أولاها عن قصيدة للشاعر الضرير المرهف أحمد الزين: (شعراء العصر في مصر) فيها بيان منزلة خمسة وعشرين شاعراً من شعراء مصر المحدثين، وفيها يقول في العقاد:

ألا أبلغا العقاد تعقيدَ لفظهِ… ومعناهُ مثلُ النّبتِ ذاوٍ ومثمرُ

يحاولُ شعرَ الغربِ لكنْ يفوتُهُ… ويبغي قريضَ العُربِ لكن يُقصّرُ

ويقول في الرافعي:

تضيعُ معاني الرافعي بلفظهِ… فلا نُبصرُ المعنى وهيهاتَ نبصرُ

معانيهِ كالحسناءِ تأبى تبذّلاً… لذاكَ تراها بالحجابِ تخدّرُ

– وذكر فيها أيضا قصة عبث الدكتور طه حسين بالعقاد حين بايعه بإمارة الشعر، وصدى هذه البيعة، ومن ذلك ما قاله الأستاذ الشاعر محمد حسن النجمي ساخراً متهكماً:

خدعَ الأعمى البصيرْ… إنهُ لهوٌ كبيرْ

أضحكَ الأطفالَ منهُ… إذ دعاهُ بالأمير

أصبحَ الشعرُ شَعيراً… فاطرحوهُ للحمير

الإعلانات

وبعد أن هدات الخصومة بينهما بسنوات نشر المرحوم “الزيات” صاحب “الرسالة” رأي “الرافعي” الحقيقي في العقاد الذي يشتمل على استنكار الرافعي نفسه للأسلوب الناري الذي أتبعه وفاءً إلى التسامح بعد بضعة عشر عامًا من خمود المعركة على حد تعبير الأستاذ كمال النجمي.

فقد قال “الزيات” للرافعي وهو يحاوره: ياصاحب (تاريخ آداب العرب) .. هل تستطيع أن تجرد نفسك من ملابسات الخصومة وتجمل لنا رأيك الخالص في العقاد”؟

فأجاب الرافعي: “أقول الحق، أمَّا العقاد أحترمه وأكرهه لأنه شديد الاعتداد بنفسه قليل الإنصاف لغيره، ولعله أعلم الناس بمكاني في الأدب.. وأحترمه لأنه أديب قد استمسك آداة الأدب وباحث قد استكمل عدة البحث فصَّير عمره على القراءة والكتابة فلا ينفك كتاب وقلم”.

الإعلانات

حينما اطلع “العقاد” في الرسالة على ما تقدم من رأي “الرافعي”، وفي أدبه رد على ذلك بعد رحيل “الرافعي” عن عالمنا بثلاث سنوات بقوله: “إني كتبت عن “الرافعي” مرات أن له أسلوبًا جزلاً، وأن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كتاب العربية المنشئين”.

أما المعركة الثالثة في الأهمية فهي تلك التي قال فيها بعضهم: إن كلام العرب في باب (الحكم) أن عبارة “القتل أنفي للقتل” أبلغ من الآية القرآنية: ***64831;وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ***64830; البقرة: 179)؛ إذ لم ينم “الرافعي” ليلته، بعد أن لفت الأستاذ الكبير محمود محمد شاكر برسالة بتوقيع م.م.ش نظره إلى هذا الأمر بقوله: “ففي عنقك أمانة المسلمين جميعًا، لتكتبن في الرد على هذه الكلمة الكافرة لإظهار وجه الإعجاز في الآية الكريمة، وأين يكون موقع الكلمة الجاهلية منها”؟

الإعلانات

واستطاع الرافعي ببلاغته أن يقوض هذا الزعم من أساسه بمقالاته: (كلمة مؤمنة في رد كلمة كافرة)، التي عدَّد فيها وجوه الإعجاز في الآية الكريمة: ***64831;وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ***64830; (البقرة: 179).[3]

سنحاول في المرة القادمة أن نجمع بعضاً من مقالات السفود . في مقال إيجازي لأهم الخلافات الأدبية لكاتبنا مع كتّابٍ اآخرين .

إعداد

Moawia Mohammed


اكتشاف المزيد من freeminds24.com

Subscribe to get the latest posts sent to your email.

أضف تعليق