جدلية المساواة بين المرأة والرجل ♀️♂️

الكاتب 🪶

عباس محمود العقاد


لم يكن جنس النساء سواء لجنس الرجال قط في تاريخ أمة من الأمم التي عاشت فوق هذه الكرة الأرضية، على اختلاف البيئات والحضارات.. وكل ما يقال في تعليل ذلك يرجع إلى علة واحدة؛ وهي تفوق الرجل على المرأة في القدرة والتأثير على العموم.

فليست جهالة القرون الأولى سببًا صالحًا لتعليل هذه الفوارق العقلية بين الرجال والنساء في جميع الأمم؛ لأن الجهل كان حظًّا مشتركًا بين الجنسين، ولم يكن مفروضًا على النساء وحدهن دون الرجال، ومن زعم أن الرجل فرض الجهل على المرأة فقبلته وأذعنت له؛ فقد قال: إنه أقدر من المرأة، أو إنه أحوج إلى العلم وأحرص عليه منها.

الإعلانات

وليس الاستبداد في القرون الأولى سببًا صالحًا لتعليل تلك الفوارق؛ لأن استبداد الحكومات كان يصيب الرجل في الحياة العامة، قبل أن يصيب المرأة في حياتها العامة أو حياتها البيتية، ولم يمنع الاستبداد طائفة من العبيد المسخرين أن ينبغ فيهم العامل الصَّنَّاع، والشاعر اللبق، والواعظ الحكيم، والأديب الطريف.

وليس عجز المرأة عن مجاراة الرجل في الأعمال العامة ناشئًا من قلة المزاولة لتلك الأعمال؛ لأنها زاولت أعمال البيت ألوف السنين، ولا يزال الرجل يبزها في هذه الأعمال كلما اشتغل بصناعاتها؛ فهو أقدر منها في الطهو، وفي تفصيل الثياب، وفنون التجميل، وتركيب الأثاث، وكل ما يشتركان فيه من أعمال البيوت.

وقد يرجع الأمر إلى الخصائص النفسية، فيحتفظ الرجل فيها بتفوقه على الرغم من استعداد المرأة بتلك الخصائص من أقدم عصور التاريخ.

الإعلانات

فالنواح على الموتى عادة تفرغت لها المرأة، منذ عرف الناس الحداد على الأموات، ولكن الآداب النسوية لم تخرج لنا يومًا قصيدة من قصائد الرثاء تضارع ما نظمه الشعراء الرجال، سواء منهم الأميون والمتعلمون، وقد كان أكثر الشعراء في العهود القديمة من الأميين.

بل هناك خاصة نفسية، لا تتوقف على العلم، ولا على الحرية، ولا نوع العلم أو الوظيفة، في المجتمعات أو البيوت؛ وهي خاصة الفكاهة، وخلق الصور الهزلية، والنكات التي يلجأ إليها الناس حين يحال بينهم وبين التعبير الصريح.

الإعلانات

وربما كان الاستبداد، أو الضغط الاجتماعي من دواعي تنشيط هذا «السلاح» النفسي في قرائح المستعبَدين والمغلوبين؛ لأنه السلاح الذي ينتقم به المغلوب لضعفه، والمنفذ الذي يفرج به عن ضيقه وخوفه، وقد كان ضغط الرجال على النساء خليقًا أن يغريَهم باستخدام هذا السلاح لتعويض القوة المفقودة، والانتقام للحرية المسلوبة، ولكن الآداب والنوادر لم تسجل لنا فكاهة واحدة أطلقتها النساء على الرجال كما فعل الرجال المغلوبون في الأمم الحاكمة، أو المحكومة على السواء، أو كما فعلوا في تصوير رياء المرأة، واحتيالها على إخفاء رغباتها، وتزويق علاقاتها بالرجال.

وهذه الملكة -ملكة الفكاهة- خاصة نفسية لم يقتلعها من طبائع الرجال ظلم، ولا جهل، ولا فاقة، ولا عجز عن العمل في ميدان الحياة. فمن اللجاجة أن يتجاهلَ المتجاهلون هذه الفوارق وهي أثبت من كل ما يثبته العلم والعلماء، وما كان للعلم أن يوجِد شيئًا لم يكن له وجود في الوقائع أو في تفكير العقول، وإنما هو أبدًا في مقام التسجيل، أو مقام التفسير.

المصدر:
عباس محمود العقاد، الفلسفة القرآنية.

أنت مثقف … شارك الصفحة مع أصدقائك


اكتشاف المزيد من freeminds24.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات في بريدك الإلكتروني.

أضف تعليق